قالت صحيفة ”لوفيغارو“ الفرنسية، يوم الإثنين، إن الغرب لا يريد مواجهة عسكرية مع روسيا، لكن هذا الموقف قد يكون من الصعب تحمله إذا واصلت موسكو تصعيدها للرعب في أوكرانيا.
وبينت أنه منذُ بداية الحرب في أوكرانيا والغربيون متمسكون بسياسة ثابتة، هي: السماح للأوكرانيين بالفوز بالحرب، أو على الأقل عدم خسارتها، دون الاضطرار إلى التزامهم عسكريًا، لافتة إلى أن هذه السياسة تجسدت في العقوبات غير المسبوقة المفروضة على روسيا، وفي زيادة توريد الأسلحة إلى الحكومة في كييف.
ومضت الصحيفة قائلة: ”لكن في اليوم الـ26 من الحرب لم يدفع الحزم الغربي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الاستسلام، ولا تزال صور قصف مدينة ماريوبول دون انقطاع، وصور الضربات ضد مراكز الأمومة والمسارح والمتاجر الكبيرة تطرح سؤالا لا أحد يستطيع اليوم الإجابة عليه“.والسؤال هو، وفقًا للصحيفة، ”إلى متى سيترك الأوروبيون لبوتين حرية سحق أوكرانيا دون الرد عسكريًا؟ هو فحوى المداخلات المتتالية للرئيس فولوديمير زيلينسكي أمام البرلمانات الوطنية.
وسيلقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم الأربعاء المُقبل، كلمة أمام المسؤولين المنتخبين الفرنسيين عن طريق الفيديو، ولا شك أنه سيدعو الغربيين مرّة أخرى إلى إنشاء منطقة حظر طيران في أوكرانيا لمنع القاذفات الروسية من التحليق، وهو إجراء تم رفضه حتى الآن بسبب مخاطر قد يشكلها تمديد الصراع.
وذكرت الصحيفة الفرنسية أن القلق يتزايد كل يوم في المجتمعات الأوروبية، فمنذُ ثورة ميدان يلوّح الأوكرانيون بالأعلام الأوروبية ويؤكدون تمسكهم بالديمقراطية، وعلى الأرض يقاتلون بضراوة للدفاع عن حريتهم وقيم أوروبا، لكن يبقى السؤال، بحسب الصحيفة، ”إلى متى ستظل أوروبا قادرة على البقاء خارج الصراع؟
جنون
وأوضحت الصحيفة أنه رغم أن الأوروبيين حرصوا على عدم الكشف عن خطوطهم الحمراء، إن وُجدت، لكن المسؤولين الأوروبيين لا يملكون إجابة على الأسئلة التالية: ”ماذا سيحدث إذا شن بوتين هجومًا كيميائيًا على مدينة أوكرانية؟ ماذا سيكون رد فعل الغربيين إذا تقدم إلى كييف، مع نفس مصير ماريوبول، بقصفها بشكل مكثف؟ كيف سيرد الغربيون إذا ارتكب بوتين حماقة إطلاقه سلاحا نوويا تكتيكيا ضد جاره؟ ماذا سيفعل الغربيون إذا أرسل بوتين، الراغب في اختبار تصميمهم وتصميم وعزم الناتو، صاروخًا إلى الحدود البولندية أو إلى حدود دول البلطيق؟“.
ونوهت الصحيفة إلى أنه في التسعينيات كان على البوسنيين الانتظار 3 سنوات قبل أن يضع ”الناتو“ حداً لمعاناتهم بتدخل عسكري ضد الصرب، الذين انطلقوا بقيادة سلوبودان ميلوسيفيتش لغزو البوسنة بعد تفكك يوغوسلافيا السابقة، لكن الخصم في ذلك الوقت لم يكن قوة نووية، وحول هذه النقطة يُجمع كل القادة الأوروبيين في الوقت الحالي على القول: إن مواجهة روسيا عسكريًا ستكون ضربًا من الجنون لا محالة.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين: ”إن مصير أوروبا ”يتم لعبه في أوكرانيا، لأن هناك بالذات تقف الديمقراطية في وجه الاستبداد“، وهناك أيضًا يتم تحديد مستقبل النظام الدولي الذي يتعرض للهجوم والتفكك من قبل بوتين، بمساعدة الصين له في تحقيق هدفه.
وأضافت الصحيفة أنه يمكن أن تمتد طموحات سيد الكرملين، الذي يريد إعادة تأسيس منطقة نفوذه على أراضي الاتحاد السوفييتي والإمبراطورية، إلى مولدوفا وجورجيا وحتى دول البلطيق.
ويحذر أحد الدبلوماسيين من أن ذلك النفوذ ”يمكن أن يؤدي إلى نهاية السلام في أوروبا وإلى انتصار القوى الاستبدادية على الديمقراطيات الغربية“، مبينة أنه ”إذا فشل الأوروبيون في وقف جنون بوتين الحربي يبقى السؤال ما هو التأثير الذي سيظل يحتفظ به الاتحاد الأوروبي في العالم عندما تصمت المدافع؟“.
وأكدت أن عنف الهجوم الروسي على أوكرانيا أيقظ الأوروبيين الذين عاشوا على مدى 30 عامًا في أسطورة نهاية التاريخ، وكانوا لفترة طويلة في حالة إنكار تجاه روسيا بوتين، الذي أقام سلطته مع ذلك على الحرب من خلال تدمير غروزني، ولم يتوقف منذ ذلك الوقت عن مهاجمة جيرانها والاتحاد الأوروبي، وفي غضون أيام قليلة حقق الرئيس الروسي إنجازًا بإنهاء الحياد السويدي وسلميّة ألمانيا.
الناتو يخرج أقوى
وقالت الصحيفة الفرنسية إن للحرية ثمنها، لكن الديمقراطيات التي تعتبر هذه الحرية حصيلةً مكتسبة هل هي مستعدة لدفعها مقابل الأوكرانيين؟، متسائلة أنه بعد صدمة الأسابيع القليلة الأولى هل سيستمر زخم التضامن مع اللاجئين؟ وهل ستظل صور المدن التي تم قصفها تثير دائما نفس القدر من السخط؟.
وأشارت إلى أنه على الرغم من وعود بعض الدول، لا سيما بولندا وألمانيا، برفع ميزانيتها الدفاعية، فإن حلف ”الناتو“ هو الذي خرج من الحرب معزّزًا، وليس الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي الذي تحلم به فرنسا.
وذكرت أن ألمانيا صوتت لصالح العقوبات ضد روسيا، لكن عندما يتعلق الأمر بالنظر في إنهاء واردات الغاز الروسي إلى أوروبا، والتي تموّل الحرب في أوكرانيا، فعندها ستقوم برلين بالكبس على كلا المكبحين.
وذكرت أنه ما بين تكلفة الحركة وتكلفة التقاعس، فإنّ المسار الذي يمكن أن يسلكه الأوروبيون ضيّق للغاية ويصعب إيجاد الحل الوسط، فمنذُ بودابست في عام 1956 ثم في براغ عام 1968، فضّل الأوروبيون الامتناع عن التصويت، لكن أوروبا في النهاية لم تمت بسبب امتناعها.