المفوض القضائي بين الاختصاصات القانونية و دوره في تحصين الأمن القضائي” موضوع ندوة علمية بتطوان
تطوان / متابعة مراد علوي
احتضنت مدينة تطوان صباح يوم 29 نونبر 2025، ندوة علمية رفيعة نظّمتها الغرفة الفتية الدولية بتطوان، خُصِّصت لبحث موضوع يتصدر راهنية النقاش القانوني بالمغرب، وهو: “المفوض القضائي بين الاختصاصات القانونية ودوره في تحقيق الأمن القضائي”. وقد تكفّل بتأطير هذا اللقاء، بعمق علمي ورصانة منهجية، الأستاذ طه الرحموني، المفوض القضائي المحلف بدائرة محكمة الاستئناف بتطوان، ورئيس الرابطة المغربية لدعم الأبحاث القانونية والأعمال الاجتماعية.
تأصيل تاريخي لمهنة المفوض القضائي
استهلّ الأستاذ الرحموني مداخلته بتشريح علمي لمسار تشكل مهنة المفوض القضائي في المغرب، مستعرضًا تطور بنيتها ووظائفها منذ البدايات الأولى للتنظيم القضائي الحديث، مرورًا بمحطات الإصلاح التشريعي، وصولًا إلى المرحلة الراهنة التي أضحت فيها المهنة جزءًا لا يتجزأ من البنية المؤسّساتية للدولة.

وقدّم المحاضر مقارنة دقيقة بين التجربة المغربية ونظيراتها في بعض الأنظمة الغربية، مبيّنًا درجة النضج القانوني والتنظيمي الذي بلغته هذه المهن في سياقات مختلفة، وكيف ساعدت الإصلاحات في تلك الدول على الارتقاء بمكانة المفوض القضائي باعتباره ضامنًا لجدية التنفيذ واستقرار المعاملات.

المرجعية الدستورية: المفوض القضائي في صلب هندسة العدالة
وتوقّف الأستاذ الرحموني عند التحوّل المفصلي الذي حمله دستور 2011، والذي أرْسى أسس استقلال السلطة القضائية، ومكّن — تبعًا لذلك — من إعادة ترتيب أدوار الفاعلين في منظومة العدالة. وفي هذا الإطار، بيّن المحاضر أن المفوض القضائي لم يعد مجرّد مساعد للقضاء، بل أصبح فاعلًا مكمّلًا له، يُسهم في حسن سير العدالة عبر مهامه التبليغية والتنفيذية والمعاينات التي يضفي عليها القانون قوة إثبات خاصة.

وأشار إلى أنّ تطور مفهوم الدولة الحديثة في المغرب، وما رافقه من تعزيز للحقوق والحريات وترسيخ للأمن القانوني، قد منح المفوض القضائي موقعًا متقدمًا يمكنه من تنفيذ الأحكام وإعمال مقتضياتها بما يضمن المساواة بين المتقاضين وصيانة الحقوق المكتسبة.
الأمن القضائي: دعامة الاستقرار ووحدة النظام القانوني
وأوضح المحاضر أن الأمن القضائي هو جوهر دولة الحق والقانون، وأنه لا يتحقق بإصدار النصوص أو الأحكام فحسب، بل يتجسد حين تُنفّذ هذه الأحكام بفعالية ونزاهة وفي آجال معقولة. وهنا يبرز دور المفوض القضائي كحلقة وصل مركزية بين القضاء والمجتمع، يحرص على تنفيذ المقررات القضائية وفق الضوابط القانونية، بما يرسّخ الثقة في العدالة ويُعزز الاطمئنان لدى الأفراد والمؤسسات.

ودعا الأستاذ الرحموني، في هذا السياق، إلى الاستثمار في التكوين التخصصي للمفوضين القضائيين، وتطوير البنيات التقنية والتنظيمية المساندة لأعمالهم، وإلى تعزيز التعاون بين مختلف مكونات منظومة العدالة ضمانًا لنجاعة التنفيذ وتحقيقًا لمقتضيات الأمن القضائي.
ندوة ترسّخ ثقافة القانون وتنعش النقاش الأكاديمي
و قد اختتم اللقاء بنقاش علمي مفتوح تفاعل فيه الحاضرون مع المحاضر، حيث طُرحت تساؤلات دقيقة حول إكراهات تنفيذ الأحكام، وحدود اختصاص المفوض القضائي، وآفاق تحديث الإطار القانوني المنظم للمهنة بما يواكب الدينامية الإصلاحية التي تعرفها منظومة العدالة بالمغرب.
وقد أجمع المشاركون على القيمة المضافة التي حملتها الندوة، وعلى دورها في تعزيز الوعي بأهمية المفوض القضائي داخل البناء القضائي الوطني، باعتباره ركيزة أساسية في تكريس الأمن القضائي وترسيخ دولة الحق والمؤسسات.




