.
بقلم : أمين سامي
خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات.
يعتبر العلم الصيني الحالي، المعروف باسم علم جمهورية الصين الشعبية، الذي تم اعتماده رسميًا في 1 أكتوبر 1949، هذا الأخير يتكون من خلفية حمراء وخمس نجوم صفراء في الزاوية العلوية اليسرى، مع نجمة كبيرة محاطة بأربع نجوم أصغر.
يرمز اللون الأحمر إلى الثورة والدماء التي أُريقت من أجل استقلال الصين وتحريرها، كما يعبر أيضًا عن السعادة في الثقافة الصينية التقليدية، حيث يُستخدم اللون الأحمر في العديد من الاحتفالات والأحداث السعيدة.
أما على مستوى الدلالة التاريخية، فله حمولة تاريخية كبيرة على المستوى السياسي، والنظام السياسي لجهورية الصين الشعبية، فهو يرتبط بالتيار الشيوعي، إذ يعتبر رمزًا للنضال الثوري في أوائل القرن العشرين.
أما بخصوص النجوم الصفراء، فتنقسم إلى نجمة كبيرة، وأربع نجوم صغرى، فالنجمة الكبيرة تمثل الحزب الشيوعي الصيني الحاكم الوحيد، فرغم وجود أحزاب سياسية في الصين الإ أن هذه الأخيرة فهي تحت إشراف الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، والمثير للاهتمام أن هذه الاحزاب وعددها ثمانية، ليست معارضة للحزب الشيوعي بل تعمل في إطار نظام يعرف بـ*”التعاون متعدد الأحزاب”*. وبالتالي فهذه الأخيرة :
١. تشارك في الاستشارات السياسية.
٢. تقدم اقتراحات واستشارات للحكومة.
٣. تمثل بعض الفئات المهنية أو الاجتماعية، مثل المثقفين أو رجال الأعمال.
وبالتالي يعتبر الحزب الشيوعي الحاكم هو القوة القائدة والموحدة للأمة، رغم هذه التعددية فهي شكلية فقط فالصين تمتلك تعددية حزبية شكلية، لكنها ليست تعددية بمعناها التقليدي.
فالنظام السياسي في الصين هو نظام حزب واحد مهيمن (الحزب الشيوعي)، حيث تعمل الأحزاب الأخرى تحت مظلة هذا الحزب دون أي سلطة مستقلة أو منافسة له.
أما على مستوى النجوم الأربع الصغيرة، فهي تمثل طبقات الشعب الصيني الأساسية كما صرح بها الزعيم “ماو تسي تونغ” وهي : 1. الطبقة العاملة، 2. طبقة الفلاحين، 3. طبقة البرجوازية الصغيرة، 4. وأخيرا طبقة البرجوازية الوطنية.
بالإضافة الى ذلك يرمز اللون الأصفر إلى الضوء والإشعاع، حيث تشير النجوم الصفراء إلى إضاءة الحزب الشيوعي لطريق الشعب. أما على مستوى ترتيب النجوم الصغيرة، حول النجمة الكبيرة فهو يعبر عن وحدة الطبقات الشعبية تحت قيادة الحزب الحاكم.
كما أن الخط المستقيم بين النجوم يعبر عن التماسك والتكامل بين القيادة والشعب.
هذا على مستوى الشكل، أما على مستوى القراءة الثقافية والسيميائية للعلم، فهذا الأخير (العلم) يعكس فلسفة الوحدة والتناغم، بين مختلف طبقات المجتمع الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي. حيث يرمز إلى الرؤية الجماعية التي تتجاوز الرؤية الفردية لصالح المجتمع ككل، وبالتالي يمكن القول أن المجتمع الصيني هو مجتمع تجمعه وحدة الرؤية، ووحدة التصور، ووحدة الشعور، فهو مجتمع استراتيجي يؤمن بوحدة الجماعة وانسجامها، ووحدة ولائها من أجل الكل. عكس المجتمع الغربي الذي يؤمن بقيم الفرادنية ويعززها من خلال سياساته المعتمدة ومن خلال دبلوماسياته وطريقة معالجته للأمور الدولية.
إن التنين الصيني، يحسب خطواته بشكل دقيق جدا، وينتظر الفرصة لركوب القطار وهو يمشي، حتى وإن كان يسير بأقصى سرعة، فهو يهيئ الظروف لركوب القطار مستحضرا خصوصية المجتمع الصيني والقيم الصينية الدافعة باعتبارها هي الموجه الأساسي لتطور الصين والاقتصاد الصيني.
كما أن اللون الأحمر يعبر عن الثقافة الوطنية الصينية التي تمزج بين التاريخ الثوري والتقاليد الثقافية.
وفي هذا الإطار يمتلك المجتمع الصيني مجموعة من الأساسية والرئيسية (قيم الكونفوشيوسية، وقيم الطاوية، وقيم الحداثة)، التي تشكل رؤية شاملة للمجتمع الصيني، التي تمتد جذورها عبر التاريخ وتنعكس في الحياة اليومية، وفي العلاقات الاجتماعية، والسياسات العامة.
هذه القيم تعكس التداخل بين الفلسفات التقليدية (مثل الكونفوشيوسية والطاوية) والحداثة الناتجة عن تطور الصين كقوة عالمية.
فعلى مستوى قيم الكونفوشيوسية، تولي هذه الأخيرة أهمية كبرى لقيم :
١. الاحترام والتقدير للأكبر سنًا، خيث تعتبر احترام الوالدين وكبار السن (فكرة “البر بالوالدين”) من أرقى القيم الصينية. وبالتالي فالعائلة وهي أصغر مكون من مكونات المجتمع الصيني، هي الوحدة الأساسية للمجتمع، وبالتالي يُنظر إلى العلاقات الأسرية على أنها الأساس للأخلاق والانسجام الاجتماعي، كما ينظر إليها من خلال التفاعل بين علاقات مكونات الأسرة فيما بينها.
٢. الانسجام المجتمعي للمجتمع الصيني، حيث يتضح أن الكونفوشيوسية تشدد على الانسجام داخل الأسرة والمجتمع ككل. وبالتالي يرى الصينيون أن التعاون وتجنب الصراعات أمران ضروريان لاستقرار المجتمع وتوازنه.
٣. التعليم والتعلم المستمر، حيث تعتبر الكونفوشيوسية أن التعليم يُعتبر أحد أهم هاته القيم، وبالتالي فهو الوسيلة الوحيدة، لتحقيق التقدم الشخصي والاجتماعي.
أما على مستوى قيم الطاوية، فتتمظهر هذه القيم من خلال مايلي :
١. الانسجام مع الطبيعة، فقيم الطاوية تشدد على البساطة والعيش بتناغم مع قوانين الطبيعة، وهذا يظهر في التقدير الصيني للبيئة والهدوء الروحي الذي يتميزون به.
٢. على مستوى التوازن، إن مفهوم اليين واليانغ يمثل أهمية التوازن في الحياة، سواء بين الفرد والمجتمع أو بين العمل والاسترخاء، ففلسفة اليين واليانغ مهمة جدا في حياة المواطن الصيني.
وأخيرا على مستوى قيم الحداثة، فيعتبر العمل الجاد والتفاني، في الصين الحديثة، وسيلة أساسية للنجاح وتحقيق الأهداف الشخصية والمجتمعية. وبالتالي يرتبط هذا بقيم الثورة الصناعية والتطور الاقتصادي الذي شهدته الصين في العقود الأخيرة.
أما على مستوى الابتكار والتقدم التكنولوجي، فالمجتمع الصيني يقدر الإبداع والابتكار، خاصة مع صعود الصين كقوة في مجال التكنولوجيا. وبالتالي هنا يظهر التركيز على تطوير مهارات الشباب لتحقيق رؤية “الصين القوية”.
أما على مستوى قيم الوطنية، فتعزيز حب الوطن يُعتبر جزءًا مهمًا من الثقافة الصينية الحديثة، حيث يدعم الأفراد الدولة كرمز للقوة والاستقرار. كما تبرز من جهة أخرى القيم الاجتماعية الصينية فالاعتماد على مبدأ الجماعية قبل الفردية، حيث يُنظر إلى مصلحة المجتمع والجماعة على أنها تفوق أهمية المصالح الفردية، هذه الفكرة تعزز من التضامن والعمل المشترك.
كما أن العلاقات الشخصية (Guanxi)، تُعدّ جزءًا أساسيًا من الحياة الاجتماعية في الصين. وبالتالي تُبنى الثقة والنجاح الاجتماعي والمهني غالبًا من خلال شبكات العلاقات الاجتماعية. كما أن الاحترام المتبادل بين الأفراد مسألة أساسية ومصيرية في تطور وتطوير العائلة الصينية بشكل خاص، المجتمع الصيني بشكل عام، حيث يتم تعليم الأفراد منذ الصغر أهمية احترام الآخرين والحفاظ على الوئام، والتضامن والمحبة والوحدة فيما بينهم.
أما على مستوى القيم الاقتصادية والتنموية للتنين الصيني، فالتنمية المستدامة تحظى بأهمية كبيرة لدى المجتمع الصيني خاصة أنها مستمدة من قيم الطاوية التقليدية للمجتمع الصيني، فمع التركيز على الحداثة وعلى غزو الأسواق العالمية وتحقيق الرفاه الاقتصادي للمجتمع الصيني، هناك وعي متزايد بقيمة التنمية المستدامة وحماية البيئة.
أما على مستوى المساواة الاجتماعية، فالصين تسعى إلى تقليل الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية لتحقيق التنمية المتوازنة.
أما على مستوى القيم الدينية والروحية، فالصين تعتبر دولة علمانية، ومع ذلك فإن القيم الروحية والدينية ما زالت تلعب دورًا هامًا: خاصة من خلال احترام الفلسفات التقليدية (الكونفوشيوسية والطاوية والبوذية). وأيضا، انتشار الأعياد التقليدية مثل السنة القمرية الجديدة التي تجمع بين الروحانية والعائلية.
وبالتالي فقيم المجتمع الصيني تجمع بين الإرث الثقافي التقليدي والمبادئ الحديثة التي تعكس تطور الدولة والمجتمع.
هذه القيم تدعم الانسجام الاجتماعي، والعمل الجاد، والابتكار، والوطنية، مما يجعلها أساسًا لاستقرار الصين وتقدمها على المسرح العالمي.
هذا على مستوى منظومة القيم الصينية، التي تلعب دورا مهما في تقدم البلد، فالقيم الدافعة للمجتمع الصيني ساهمت بشكل كبير جدا في تطوير الثقافة الصينية والتي ساهمت بدورها في تطوير الثقافة التنظيمية المؤسسية للمؤسسات الصينية.
أما على مستوى التحليل السياسي للعلم، فهذا الأخير يؤكد الأيديولوجية الشيوعية، التي تمثل الأساس للدولة الصينية الحديثة، والنجوم الخمس تشير إلى التكامل بين السياسة والمجتمع، حيث يعبر عن دور القيادة المركزية في تحقيق التنمية والوحدة الوطنية.
أما بخصوص التأويل المستقبلي، فاستخدام الرموز الثابتة في العلم الصيني يشير إلى رغبة الصين في الاستمرار كدولة ذات قيادة مركزية قوية ومجتمع موحد. وبالتالي فتعزيز النجوم الصفراء يعكس الإصرار على تحقيق رؤية الصين لمكانتها العالمية، مما يمكن تأويله كدعوة رمزية للانسجام الوطني والتقدم الجماعي.
إن العلم الصيني ليس مجرد رمز وطني، بل هو تعبير سيميائي عميق عن الأيديولوجية والثقافة والتاريخ. علم يجمع بين الثورة والتقاليد والتطلعات المستقبلية، مما يجعله نموذجًا للهوية الوطنية المتكاملة.
كما أن رؤية الصين 2049، رؤية نابعة من قيم وثقافة المجتمع الصيني، فأولاد ماو تسي تونغ سيكملون المئوية في هذا التاريخ، فالتنين الصيني لا يختار التواريخ اعتباطيا، بل هو دهاء الصين، فرؤية الصين 2049 تُعتبر خطة استراتيجية طويلة الأمد تسعى من خلالها الصين أن تصبح قوة عالمية متكاملة من حيث الاقتصاد، والتكنولوجيا، والابتكار، والقوة العسكرية، وأخيرا الثقافة.
وهذه الرؤية تأتي في إطار الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. هذه الأخيرة تستند إلى مجموعة من المبادئ والقيم التي تمزج بين الحداثة والإرث الثقافي الصيني، مع التركيز على التحول إلى دولة رائدة عالميًا. فمحاور رؤية الصين 2049 ترتكز على عدة مجالات :
1. الاقتصاد والتكنولوجيا، فالصين ترى في رؤيتها 2049، الابتكار كقاطرة للتنمية، فهو تستهدف وتطمح للتحول إلى مركز عالمي للابتكار التكنولوجي. من خلال تعزيز الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمية، وتكنولوجيا الجيل الخامس والجيل السادس، المساهمة في تحقيق الاستقلالية في التقنيات الحساسة لتجنب الاعتماد على القوى الخارجية.
2. التنمية المستدامة، رؤية 2049 تعطي أولوية للتنمية البيئية المستدامة، بما يشمل خفض انبعاثات الكربون وتطوير الطاقة النظيفة والمتجددة.
فالصين تستهدف لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، لكنها تعمل وفق رؤية 2049 على تحقيق خطوات ملموسة نحو هذا الهدف.
3. مبادرة الحزام والطريق، من خلال تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية مع الدول عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا. وبالتالي خلق شبكة تجارية ضخمة تعزز مكانة الصين كمركز اقتصادي عالمي، والعديد من الأمور الأخرى التي تمت الإشارة إليها.
وبالتالي فرؤية الصين 2049 ليست مجرد خطة تنموية، بل هي مشروع حضاري شامل يهدف إلى تعزيز مكانة الصين كقوة عالمية متوازنة ومستدامة.