
بقلم قاسم العلوش، باحث في السياسات التربوية
قد يبدوا هذا السؤال ساذجا، لكنه في المقابل يبقى سؤالا مشروعا خاصة في ظل الخصاص الكبير الذي تعرفه هيئة التفتيش والتأطير والمراقبة والتقييم التربوي.
في الواقع، تعرف المنظومة التربوية خصاص مهولا في العديد من تخصصات التفتيش التربوي في مختلف المديريات الإقليمية، وعادة ما يتم سد ذلك الخصاص عبر تكليفات من مديريات أخرى. ينتج عن ذلك ارتفاع كبير لنسبة حصة التأطير التربوي للأساتذة بالنسبة لكل مفتش، بحيث هناك أرقاما تبدو صادمة؛ إذ تصل في بعض الأحيان إلى حوالي 200 أستاذ لكل مفتش تربوي (في غالب الأحيان يوجد عدد لا يستهان به من المديريات الإقليمية تتوفر على مفتش واحد للتخصص فقط، وفي بعض التخصصات لا تتوفر على أي مفتش مما يضطرها إلى اقتراض مفتشين من مديريات أخرى لأجل سد الخصاص، وقد يصل ذلك الخصاص إلى ¼ أو 5/1 من هيئة التفتيش) في مديريات إقليمية مترامية الأطراف قد تضم ما يفوق 200 مؤسسة التعليمية، وهو ما ينعكس سلبا على تحقيق الجودة المطلوبة التي يتوخاها نظامنا التعليم ويسعى وراءه منذ ربع قرن من الزمن، ويحول دون وصول أثر الإصلاح حقيقة إلى الحجرات الدراسية.
على العكس من ذلك نجد وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولى والرياضة تسارع الزمن عبر إغراق تخصص التوجيه التربوي، والتخطيط التربوي، والشؤون المالية بمفتشي (التسعة أيام من التكوين)، أو ما يمكن أن نسميه تجاوزا ب (FastConfiguration) على شاكلة الوجبات السريعة أو ما يسمى ب (FastFood)، مع ما يسببه تناول FastFood من مضار على صحة الإنسان. تلك التخصصات الثلاثة صدرت في شأنها لوائح خاصة من قبل الوزارة يوم الأربعاء 12 مارس 2025، توضح أسماء الذين سيخضعون لذلك التكوين السريع عبر ثلاث فترات زمنية: الأولى ثلاثة أيام، تمتد من 17 مارس إلى 19 منه. والثانية خمسة أيام، تمتد من 14 أبريل إلى 18 منه. والثالثة يوم واحد، وتجري بين 26 و31 ماي 2025. وهنا يطرح سؤال مهم كالتالي: هل هناك حاجة ضرورية ومستعجلة تستدعيها مصلحة المنظومة التربوية لأجل تجويدها والنهوض بها يفرض على الوزارة تعيين هذا الكم الهائل من المفتشين الجدد على وجه السرعة والاستعجال، وهي لا تعرف ذلك الخصاص الكبير الذي تعرفه تخصصات مواد التدريس المرتبطة مباشرة بالأستاذ والتلميذ؟
أفرجت الوزارة إذن على لوائح المعنيين بالتكوين الخاص على الشكل الذي تم وصفه بالمقرر الوزاري ذي الصلة، وهي تشمل لوائح فئة المستشارين في التوجيه التربوي وتضم خمس (05) لوائح بمجموع 1401 من الأطر التي ستدمج في إطار مفتش في التوجيه التربوي بموجب المادة 76 من مرسوم النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية. ولوائح فئة المستشارون في التخطيط التربوي، وهي خمس (05) لوائح أيضا بمجموع 542 من الأطر التي ستدمج في إطار مفتش التخطيط التربوي. ولوائح فئة الممونين، وهي أربع (04) لوائح بمجموع 479 من الأطر التي ستدمج في إطار مفتش الشؤون المالية. هذه المجاميع من الأطر والتي تشكل مجموعا يبلغ 2422 إطار التي سيتم إدماجها في إطار مفتش بموجب المادة 76 ربما تفوق ما تم تخرجه من مركزي التكوين المتخصصين، مركز تكوين مفتشي التعليم ومركز التوجيه والتخطيط التربوي، على طول 15 سنة الماضية على الأقل، وهو ما قد يوحي أن هناك ضرورة ملحة ومستعجلة للمنظومة التربوية تستدعي من الوزارة إدماج هذا العدد الكبير من الأطر في إطار مفتش في مجالي التوجيه والتخطيط التربوي، ومجال الشؤون المالية. لكن الواقع يقول عكس هذا بالمرة وذلك لاعتبارات عدة نجمل أبرزها على الشكل التالي:
1- إن السياسة العمومية في مجال إعداد الأطر وتأهيلها وتغطية الخصاص منها تحكمه جملة من المبادئ والقيم المعتبرة، سواء على المستوى القانوني أو الواقعي، الواجب أخذها بالحسبان من قبل المعنيين بالأمر قبل التفكير في اقتراح تلك السياسة. فعلى المستوى القانوني يجب على تلك السياسة أن تلتزم بالمبادئ القانونية المؤطرة للسياسة العمومية في مجال توظيف إعداد وتكوين وتأهيل الأطر العاملة بمؤسسات الدولة، ومنها قطاع وزارة التربية الوطنية، دون أي اعتبارات ((سياسوية)) أو ((نقابوية)) أو ((ريعية)) كما هو الشأن الحاصل بالنسبة لإنتاج المادة 76 الواردة في النظام الأساسي لقطاع التربية الوطنية، والمعنية بإدماج أطر التوجيه التربوي وأطر التخطيط التربوي وإطار ممون في إطار مفتش التوجيه والتخطيط والشؤون المالية. وهي المادة التي مضمونها يخالف مبادئ الدستور المغربي، والقانون الإطار رقم 17-51 الخاص بمنظومة التربية والتكوين، وقانون الوظيفة العمومية كما تم تغييره وتتميمه، كما أوضحنا ذلك في مقالات سابقة، وهي كل مرجعيات قانونية كبرى تؤكد على مبادئ المشروعية والإنصاف وتكافؤ الفرص والاستحقاق في ولوج الوظائف العمومية والترقي فيها. أما على المستوى الواقعي، فمعلوم أن صناعة أو اقتراح سياسة عمومية يأتي غالبا لحل مشكلة ما، أو لتلبية حاجة مجتمعية مشروعة. والواقع أنه ليس هناك أي اعتبار من الاعتبارين السابقين يطرح نفسه بقوة على وزارة التربية الوطنية يدفعها لإدماج ذلك العدد الضخم من الأطر.
2- أن حاجة المنظومة التربوية لأطر التفتيش في مجال التدريس هي أبلغ وأكثر إلحاحا منها الحاجة لأطر التفتيش في مجالات التوجيه والتخطيط والشؤون المالية، بالنظر إلى واقع الخصاص الكبير التي تعاني منه أطر التفتيش التربوي وهو ما يؤكده الواقع.
3- أن عددا لا يستهان به من المستفيدين من الإدماج في إطار مفتش وفق مضمون المادة 76 هم من الأصناف التي لم يعد لها ارتباط يذكر بالمنظومة التربوية إلا من باب الانتماء الوظيفي ليس إلا. إذ جزء من الذين سيتم إدماجهم هم حاصلون على التفرغ النقابي، وجزء آخر مشغول بالسياسة ومهامه الانتدابية في المجالس الترابية، وجزء آخر صادر في حقه عقوبات تأديبية وتم إعفاؤه بسبب وقوعه في اختلالات أثناء ممارسته لمهمة التسيير المالي والمادي بالمؤسسات التعليمية، في حين أن هناك تواجد حتى للموتى في تلك اللوائح التي أصدرتها الوزارة ممن سيستفيدون من التكوين السريع ذي التسعة (09) أيام (هناك حالة واحدة على الأقل). فهل الموتى هم أيضا معنيين بالإدماج في إطار مفتش بمقتضى ذلك التكوين؟ وهو ما يؤكد بالملموس أن الغرض من تضمين المادة 76 بمرسوم النظام الأساسي لم يكن أبدا هو الرقي بالمهام التدبيرية للمعنيين بها، على الأقل جزء منهم كما بينا سالفا، أو لأجل تجويد المنظومة التربوية بقدر ما كان الغرض هو تحقيق مآرب ريعية وانتخابوية للنقابات وتبييض وجهها أما قاعدتها الانتخابية على حساب احترام المرجعيات القانونية المؤطرة للمنظومة التربوية.
لنعد إذن إلى سؤالنا المركزي الذي هو موضوع هذه المقالة. ما الذي يمنع الوزارة من ضمان استفادة الأساتذة هم أيضا من المادة 76 والادماج في إطار مفتش تربوي على غرار زملائهم في الوزارة من المستشارين في التوجيه والتخطيط والممونين؟ أليست تتوفر فيهم نفس الشروط التي تتوفر في زملائهم المعنيين بالإدماج والمحددة في الترتيب في السلم 11 أو خارج السلم كما تنص على ذلك المادة 76 من المرسوم الوزاري؟ أليس هناك أساتذة بفئاتهم الثلاثة، الابتدائي والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي، مرتبين في السلم 11 و خارج السلم؟ الجواب: بلا.
إذن ما المانع في أن تتفضل الوزارة، السخية جدا مع أطر التوجيه والتخطيط والممونين، في منح السادة الأساتذة نفس الامتياز خاصة وهم حجر الرحى في المنظومة التربوية كما يعلم الجميع، أسوة بأولئك الذين يجلسون طوال النهار في مكاتبهم، الوثيرة أحيانا، أو أولئك الذين يستفيدون من التفرغ النقابي ولا يقدمون شيئا للمنظومة، ما خلى سعي بعضهم لخدمة بعض المصالح الخاصة. إضافة إلى أولئك الذين انقطعوا عن ممارسة مهام التوجيه أو التخطيط أو التسيير بالمؤسسات التعليمية بسبب انشغالهم بعالم السياسة ولم يعد يربطهم بالمنظومة سوى الخير والإحسان ورغم ذلك سيصبحون من خلال تكوين مدته تسعة (09) أيام فقط، على غرار كتيبات كيف تتعلم اللغة الإنجليزية أو الإسبانية أو حتى الهيروغليفية في ستة أيام.
بل أخبرونا، من فضلكم أيها السادة، من يظل طوال نهاره بين واقف ورافع صوته حتى البحاح لتوضيح فكرة، أو شارح لجملة لتلامذتنا في الفيافي والقفار ببعض الجماعات الترابية النائية والوعرة، الأستاذ أم مستشار التوجيه ومستشار التخطيط و الممون؟ أليس أولى بأن يستفيد من الريع الذي أصبحت الوزارة، بإيعاز من أباطرة العمل النقابي، توزعه، يمينا وشمالا، الأساتذة بدلا من تلك فئات التي يمكن القول عنها، إلى حد كبير، أنها لا تتحمل ذلك العبء الكبير داخل المنظومة التربوية الذي تتحمله فئات الأساتذة الثلاثة.
بل أكثر من ذلك. من أشعل فتيل وشرارة الحراك التعليمي للدفاع عن مصالح الشغيلة التعليمية في خريف سنة 2023، بعد صدور المرسوم السيء الصيت والمعيب الذي تم تعديله فيما بعد بسبب إضرابات شلت قطاع التعليم استمرت لأربعة أشهر من الموسم الدراسي 2023/2024، هل هم ((أصحاب الفخامة)) مستشاري التوجيه ومستشاري التخطيط والممونين، أم السادة الأساتذة ((البؤساء)) وفق تعبير البعض؟ لكن من استفادة في الأخير من حصة الأسد التي وزعتها وزارتنا السخية؟ بطبيعة الحال الجواب معروف.
بالجملة، فإننا نهيب بالسادة الأساتذة الأجلاء، المرتبين في السلم 11 و خارج السلم، بالمطالبة بحقهم في الإدماج في إطار مفتش تربوي أسوة بزملائهم في المهنة، مستشاري التوجيه والتخطيط والممونين، نظرا لتوفرهم على نفس الشروط النظامية. ولا يحول دون ذلك حائل قانوني سوى المطالبة بإضافة شكلية قانونية بسيطة، وهي أن تقوم الوزارة بتعديل مرسوم النظام الأساسي بإضافة مادة فريدة، وهي المادة 76 مكرر، تعلن فيها حقهم في الإدماج في إطار مفتش تربوي على نفس الشاكلة التي توجد عليها المادة 76 بصيغتها الحالية. كما نهيب بوزارتنا السخية أن تكون عادلة ومنصفة مع جميع أطرها، وخاصة الأساتذة المحترمون، وذلك بتمكنيهم من حق الادماج في إطار مفتش ما دامت تتوفر فيهم نفس الشروط التي تتوفر في أصحاب مادة الإدماج.
وفي الأخير يمكن القول. أنه في ظل سعي الوزارة وأباطرة النقابات ضرب كل حرمة للقوانين العليا للبلاد التي تنظم نظامنا التعليمي، وفي مقدمتها دستور المملكة المغربية، والقانون الإطار 17-51، وباقي النصوص المؤطرة للمنظومة التربوية، فلا يمكن الحديث عن اي شيء ممنوع ومستحيل أمام موجة الريع العاتية التي تعصف بالمنظومة التربوية في ضرب لكل قيم العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص، لهذا فإما أن يستفيد الجميع من الريع، أو أن يلتزم الجميع بقوانين البلاد بعيدا عن كل الحسابات السياسوية والانتخابوية والريعية التي تضر بالسياسة العمومية للدولة في مجال التربية والتكوين.