بقلم: ياسمينة الواشيري
ينتابنا الشعور بالأسى و الحزن عندما نرى ما أصبحت عليه تصرفات بعض البشر من حولنا، من كره و بغض و حسد و إساءة، فحتى القيم الإنسانية و التسامح و احترام الغير و خصوصياته أوشكت على الاندثار، فهل نعيب على مجتمعنا أم على قلوب تملؤها القسوة و الأنانية ؟ في حين أننا نلمس ذلك الواقع المرير في شوارعنا لانعدام التضامن و التعاون مع بعضنا البعض، و إعطاء الأولوية لكبار السن و مساعدتهم و الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ، فمساعدة الغير و الإحسان إليه أصبح يحسب له ألف حساب. و حتى في سلوكنا اتجاه الحيوانات نجد أن البعض يتجرد من كل القيم النبيلة اتجاهها إذ نرى قمة الهمجية و عدم الرحمة و الإنسانية في التعامل معها فهذه المخلوقات الضعيفة و التي لا حول لها و لا قوة تنتظر منا العطف و الرأفة و لا يجب أن نؤذيها بأي شكل من الأشكال، فالله يوصينا على الرفق بالحيوان .
إن سعادة الإنسان و شعوره بالرضى ينبعان من داخله، هو من يملك القدرة على جعل نفسه سعيدا راضيا قنوعا متصالحا مع ذاته و مع الآخر، فهل يكون راضيا من الداخل عند إساءته لغيره؟ فالسعادة الحقيقية هي فعل الخير و المحبة و صفاء القلب و نقاءه و التقرب من الله سبحانه و تعالى، و استحضاره في كل أمور حياتنا و التوكل عليه، فكل ذرة خير تنبع من داخلنا تكون من رضى الله و محبة الناس، ورعند تذكرنا بأن هذه الحياة فانية زائفة نرى الأمور بشكل مبسط و أقل تعقيدا فما جدوى صراعاتنا ؟
لابد من الإدراك بأن الكلمة الطيبة و المودة و تمني الخير للآخر كما نتمناه لأنفسنا، و تهنئة بعضنا البعض و الفرح لفرح الآخرين يجعل حياتنا أكثر رونقا و جمالا، لماذا كل هذه الحزازات؟ فلن يذهب لغيرك شيء كتبه الله لك و ما أدراك أن الذي حز في نفسك، و رأيته عند غيرك و لم تسر به لو باركته له و سعدت به، أتاك من الله أضعافه كفى من البغض و الحسد و الضغينة.
أصبحت حياتنا كمعركة حربية كل واحد يقصف من جهته، و تتعالى الطلقات لكن ما نغفل عنه أن تلك الطلقات المدوية تترك جروحا جد عميقة على نفوس لا تقوى على تحمل الأذى من الآخرين، لأنها ببساطة لا يعرف الشر طريقا لقلوبها. من الأجدر مراعاة و احترام شعور الآخرين و التحلي بالخلق الكريم، ففعل الخير من أعظم العبادات لأن نزاعاتنا تنعكس على بيئتنا و مجتمعنا بأكمله، و كذلك أجياله الصاعدة فنحن قدوة لأبنائنا، كيف لهم التحلي بالقيم السامية من تعاون و تآزر وتآخي في ظل ما يرونه من مشاحنات للكبار؟
إن العمل الصالح يعزز قيم التكافل و التماسك بين أفراد المجتمع، و الغريب في الأمر أنه حتى في أعظم الشهور عند الله هناك من لا يبالي بأفعاله، و يستمر في أعماله المنافية للأدب و الأخلاق و لديننا الحنيف، حيث نرى ذلك بأم أعيننا عند تواجدنا بالأسواق و المحلات، قمة الانحطاط في التعامل مع بعضنا و العجرفة، فعوض شراء الملابس و المستلزمات لهذه الأيام المباركة، يجدر بنا اقتناء الأدب في المعاملة و الرقي و اللباقة، لأننا نغفل عن جوهر الأشياء و نتمسك بقشورها. فما جدوى طقوسنا في هذه الأيام دون إضافة التوابل لها من محبة و مودة و إحسان للغير و مساعدة ؟ و هل لحياتنا معنى أصلا من دون ود و حب و إخاء؟ تقسى القلوب و تصبح من حجر لكنها تنسى أن لينها و حنانها و رقتها يجعل نبضها يعزف ألحانا تنحني له الجبال من شدة عذوبته .